وادي أوريكا: جنة خضراء في قلب الأطلس الكبير قرب مراكش

صومعة حسان بمدينة الرباط المغربية: تحفة معمارية خالدة في قلب العاصمة

مقدمة 

1. الرباط: مدينة التاريخ والثقافة

تقع مدينة الرباط على الساحل الغربي للمغرب، وتعد العاصمة الإدارية للمملكة، وواحدة من أعرق المدن التي تجمع بين الحداثة والأصالة. تزخر الرباط بالعديد من المعالم التاريخية والتراثية، ولعل أبرزها على الإطلاق صومعة حسان، التي تقف شامخة منذ قرون، تروي بصمتها المعماري قصة حضارة عظيمة.

2. تاريخ صومعة حسان: مشروع إمبراطوري لم يكتمل

بنيت صومعة حسان في عهد الدولة الموحدية، وتحديدًا في سنة 1195م، بأمر من الخليفة الموحدي يعقوب المنصور، الذي كان يسعى إلى تشييد أكبر مسجد في العالم الإسلامي حينها، ليعكس قوة وهيبة الدولة التي كانت تمتد من المغرب إلى تونس ومن جنوب إسبانيا إلى جنوب الصحراء.

لكن المشروع لم يكتمل بسبب وفاة يعقوب المنصور سنة 1199م، فتوقفت الأشغال، ولم يُبْنَ المسجد الكامل، وبقيت الصومعة قائمة وحدها، بعلو يبلغ حوالي 44 مترًا بدلًا من 86 مترًا التي كانت مبرمجة. رغم ذلك، تحولت إلى رمز معماري خالد يشهد على طموح حضارة وأصالة فن.

صومعة حسان تاريخ معماري خالد يشهد على طموح حضارة وأصالة وفن

3. الطراز المعماري: مزيج من الإبداع المغربي الأندلسي

تتميز صومعة حسان بطرازها المعماري الفريد الذي يجمع بين الطراز المغربي التقليدي واللمسة الأندلسية، من حيث النسب، النقوش، والزخارف الهندسية الإسلامية المتقنة. بُنيت من الحجر الرملي الأحمر الذي يعطيها لونًا دافئًا، وتزين واجهاتها بنقوش عربية وزخارف هندسية رائعة تدل على رقي العمارة الموحدية.

اللافت في تصميم الصومعة هو وجود سلالم مائلة داخلها، وهي ميزة معمارية تسمح بصعود المؤذن إلى الأعلى على ظهر دابة، وهو نفس النظام المعتمد في صومعة الكتبية بمراكش وبرج الخيرالدا في إشبيلية بإسبانيا، ما يدل على الترابط الثقافي بين غرب المتوسط في تلك الفترة.

الطراز المغربي التقليدي واللمسة الأندلسية في صومعة حسان بالرباط

4. المسجد غير المكتمل والأعمدة المبعثرة

بجانب الصومعة، توجد بقايا مسجد حسان الذي لم يكتمل، حيث تنتشر أكثر من 300 عمود وقاعدة حجرية كانت ستدعم السقف الضخم. يعطي هذا الفضاء المفتوح اليوم إحساسًا بالعظمة والرهبة، خاصة عند التفكير في الحجم الحقيقي للمسجد لو اكتمل، حيث كان سيستوعب عشرات الآلاف من المصلين.

يمثل هذا الموقع اليوم أحد أكثر الأماكن السياحية زيارة في الرباط، ويُعد من الفضاءات المفضلة لدى السياح لالتقاط الصور والتأمل في جماليات المكان.

الأعمدة المبعثرة بمسجد حسان موقع أكثر الأماكن سياحية في الرباط

5. صومعة حسان وضريح محمد الخامس

في الجهة المقابلة مباشرة لصومعة حسان، يقع ضريح محمد الخامس، الذي يُعد من أجمل الأضرحة الملكية في المغرب. يضم الضريح قبور الملك محمد الخامس وولديه الملك الحسن الثاني والأمير مولاي عبد الله. يتميز الضريح بفنه المغربي الراقي، وزخارفه المذهبة وسقفه الخشبي المنحوت.

يشكل مركب صومعة حسان والضريح وحدة متكاملة تجذب السياح والباحثين عن الجمال المعماري، وتُعد مكانًا رمزيًا لربط التاريخ القديم بالحديث، والمقدس بالهوية الوطنية.

 أجمل الأضرحة الملكية بالمغرب ضريح محمد الخامس 

6. صومعة حسان كموقع تراثي عالمي

تم تصنيف موقع صومعة حسان والضريح ضمن قائمة التراث العالمي لليونسكو سنة 2012، باعتبارها جزءًا من الإرث المعماري والروحي الذي يعكس هوية المغرب. هذا التصنيف الدولي زاد من شهرة المعلم، ورفع من قيمته السياحية والتراثية على المستوى العالمي.

تحرص السلطات المغربية على حماية هذا المعلم من عوامل التعرية والزمن، وذلك من خلال مشاريع ترميم دورية تُنفذها وزارة الثقافة بالتعاون مع هيئات دولية.

صومعة حسان والضريح ضمن قائمة التراث العالمي لليونسكو

7. السياحة في محيط صومعة حسان

زيارة صومعة حسان لا تقتصر فقط على اكتشاف معلم معماري، بل تشمل جولة غنية في قلب الرباط التاريخي. بالقرب من الصومعة، يمكن زيارة:

• نهر أبي رقراق: وادي جميل يفصل بين الرباط وسلا، يمكن الاستمتاع بجولة على القارب أو الجلوس في المقاهي المطلة عليه.
• قصبة الأوداية: حي قديم محصن يضم حدائق أندلسية وأزقة ضيقة مرصوفة بالحجارة.
• المدينة العتيقة: أسواق تقليدية ومحلات تعرض التحف اليدوية والمأكولات المغربية.
• برج الكتبية وحديقة الأندلس: أماكن هادئة للتنزه والاسترخاء.

8. الأنشطة والفعاليات الثقافية

تُستخدم صومعة حسان كمسرح طبيعي لبعض التظاهرات الثقافية والفنية، خاصة في فصل الصيف وشهر رمضان، مثل:

• الأمسيات الموسيقية الروحية
• العروض الفنية المنظمة من وزارة الثقافة
• حفلات التصوير السينمائي والتلفزيوني

كما تُعد مقصدًا للرحلات المدرسية، مما يسهم في غرس روح الانتماء الوطني في نفوس الأجيال الصاعدة.

9. أفضل أوقات الزيارة

يفضل زيارة صومعة حسان في الصباح الباكر أو قبيل الغروب، حيث تكون الإضاءة الطبيعية مثالية للتصوير. في فصل الربيع والخريف، يكون الجو معتدلًا ومناسبًا للتجول في الموقع ومحيطه.

الدخول إلى الموقع غالبًا مجاني، ولا توجد رسوم إلزامية، لكنه يخضع أحيانًا لبعض الإجراءات في حال وجود زيارات رسمية أو إصلاحات.

10. أماكن الإقامة القريبة من صومعة حسان

توفر مدينة الرباط مجموعة من الفنادق ودور الضيافة الراقية والمتوسطة التي تناسب جميع الفئات، ومنها:

فنادق فاخرة (5 نجوم):

• Sofitel Rabat Jardin des Roses: فندق راقٍ يتميز بحدائق جميلة وخدمات ممتازة.
• Hotel La Tour Hassan Palace: فندق تاريخي قريب جدًا من صومعة حسان، معروف بفخامته.

فنادق متوسطة (3 و4 نجوم):

• ONOMO Hotel Rabat Medina: فندق حديث ومريح في وسط المدينة.
• Rihab Hotel Rabat: قريب من النهر والصومعة، بأسعار معقولة وخدمة جيدة.

دور الضيافة التقليدية (Riads):

• Riad Kalaa وRiad Zyo: بيوت مغربية تقليدية تقدم تجربة أصيلة وسط أجواء عربية مغربية.

تُعد هذه الإقامات مناسبة للزوار الذين يرغبون في الجمع بين الراحة والاكتشاف الثقافي في آن واحد.

         للحجز المسبق والاستفادة من أفضل العروض، احجز الآن عبر Booking

11. صيانة صومعة حسان: جهود الترميم وتحديات الحفاظ على التراث

رغم صمودها لما يقارب ثمانية قرون، لم تسلم صومعة حسان من تأثيرات الزمن والعوامل الطبيعية والبيئية. لهذا، بذلت السلطات المغربية، وعلى رأسها وزارة الثقافة، مجهودات كبيرة للحفاظ على هذا المعلم الفريد ضمن رؤية شاملة لصيانة التراث الوطني.

1.11 أعمال الترميم الأساسية

بدأت أولى حملات الترميم الجادة في منتصف القرن العشرين، خاصة بعد زلزال أغادير سنة 1960 الذي سلّط الضوء على هشاشة عدد من البنايات التاريخية في المغرب. وقد شملت العمليات:

• تعزيز القواعد الحجرية للصومعة للحد من تأثير الزلازل.
• تنظيف الواجهات وإزالة الأتربة والرواسب المترسبة من التلوث الحضري.
• ترميم النقوش والزخارف المتآكلة باستخدام تقنيات متقدمة تحافظ على الطابع الأصلي.
• تثبيت الأعمدة المتناثرة في فضاء المسجد غير المكتمل بشكل يمنع انهيارها بسبب الرياح أو تدخل الزوار.

كما تم توظيف خبراء مغاربة ودوليين في مجال الترميم الحجري والزخرفة الإسلامية، بالتعاون مع مؤسسات التراث العالمي، وخاصة بعد تصنيف الموقع ضمن لائحة اليونسكو.

الترميم الحجري والزخرفة الإسلامية

2.11 التحديات التي تواجه الحفاظ على الصومعة

رغم الجهود المستمرة، إلا أن الحفاظ على صومعة حسان يواجه عدة تحديات، نذكر منها:

أ. التغيرات المناخية:

تقع الرباط في منطقة ساحلية رطبة، ما يجعل الصومعة عرضة لـ:

• الرطوبة العالية التي تؤثر على الحجر الرملي المستخدم في البناء.
• الرياح المحملة بالملح البحري التي تسبب تآكل تدريجي في السطح الخارجي.
• التقلبات الحرارية بين الصيف والشتاء التي تؤدي إلى تشققات دقيقة في الحجر.

ب. التلوث الحضري:

القرب من طرقات مزدحمة ومراكز حضرية يؤدي إلى تراكم الملوثات الجوية على سطح المعلم، ما يسرّع عملية التآكل الكيميائي.

ج. ضغط الزوار:

يُعد الموقع من بين أكثر الأماكن زيارة في الرباط، ما يؤدي أحيانًا إلى:

• تلف بعض المناطق الحساسة بسبب الحركة المستمرة للسياح.
• الحاجة المستمرة إلى الصيانة لمنع التدهور السريع.

د. نقص الموارد المالية والبشرية المتخصصة:

رغم الإرادة السياسية، فإن عمليات الترميم تحتاج إلى ميزانيات كبيرة وفِرق خبيرة في الترميم التقليدي المغربي، وهي موارد غالبًا ما تكون محدودة.

3.11 الحلول المقترحة:

لمواجهة هذه التحديات، تقترح بعض الهيئات الثقافية المغربية والدولية ما يلي:

• استخدام تقنيات رقمية مثل التصوير ثلاثي الأبعاد لتوثيق المعلم بدقة عالية.
• تحديد مسارات واضحة للزوار لمنع اقترابهم من المناطق الهشة.
• تنظيم ورشات تدريبية للحرفيين الجدد لضمان استمرارية المهارات التقليدية في الترميم.
• توفير تمويل دولي إضافي من خلال برامج التعاون الثقافي مع الاتحاد الأوروبي ومنظمة اليونسكو.

للمزيد حول صومعة حسان بالرباط اضغط هنا

خاتمة

تبقى صومعة حسان أكثر من مجرد مَعْلم أثري؛ إنها شاهد حي على عراقة المغرب وغنى حضارته. في قلب الرباط، تجسد الصومعة روعة الفن الإسلامي، وتروي فصولًا من تاريخ الأمة. زيارتها ليست مجرد نزهة، بل تجربة روحية وثقافية لا تنسى.

سواء كنت مهتمًا بالتاريخ، أو تبحث عن صور رائعة، أو تريد التعمق في حضارة الموحدين، فإن صومعة حسان تقدم لك كل هذا وأكثر. لا تفوت زيارتها إذا كنت في الرباط، فهي من الأماكن التي تُشعرك بالفخر كونك في بلد يجمع بين الأصالة والحداثة.