بوجلود: احتفال مغربي أصيل يجسد التراث الثقافي الأمازيغي
يعد بوجلود، أو بيلماون كما يُعرف في بعض المناطق المغربية، من بين التقاليد الشعبية العريقة التي تقام سنويًا بعد عيد الأضحى، خاصة في مناطق الجنوب المغربي وسوس والمناطق الأمازيغية. هذا الاحتفال الفريد من نوعه يمزج بين الطقوس الفلكلورية والأهازيج الشعبية، ليحافظ على ذاكرة ثقافية تمتد لقرون.
في هذا المقال، سنغوص في تفاصيل هذا التقليد المميز، مستعرضين أصوله التاريخية، مظاهره الاحتفالية، رمزيته الثقافية، تأثيره على السياحة المحلية، وكيفية حفاظ المغاربة عليه في العصر الحديث.
1. ما هو احتفال بوجلود؟
بوجلود هو مهرجان شعبي يُقام مباشرة بعد عيد الأضحى، حيث يرتدي المشاركون جلود الأضاحي، ويجوبون الشوارع في استعراضات كرنفالية مميزة. يرافق الاحتفال عروض موسيقية، ورقصات شعبية، وتقاليد موروثة تعكس هوية المغاربة الأمازيغ. يُعرف أيضًا باسم "بيلماون" في بعض المناطق، مما يدل على تعدد تسمياته حسب اللهجات المحلية.
![]() |
بوجلود هو مهرجان شعبي يُقام مباشرة بعد عيد الأضحى |
2. أصول بوجلود وتاريخه العريق
2.1. الجذور الأمازيغية
يعود أصل هذا الاحتفال إلى العادات الأمازيغية القديمة، حيث كان جزءًا من الطقوس الاحتفالية التي تلي الذبح في عيد الأضحى. يقال إن هذا التقليد نشأ كطريقة للاحتفاء بالوفرة والخير بعد موسم الأضاحي، وللتعبير عن الفرح والاحتفال بالموسم الفلاحي.
2.2. التأثيرات الثقافية والدينية
مع مرور الزمن، تأثر بوجلود ببعض الطقوس الإسلامية، حيث أصبح جزءًا من العادات الاحتفالية المرتبطة بعيد الأضحى، لكنه ظل محافظًا على طابعه الفلكلوري الفريد الذي يميزه عن غيره من الاحتفالات.
3. كيف يتم الاحتفال ببوجلود؟
3.1. ارتداء الجلود والتنكر
يعد الزي التنكري من أهم عناصر الاحتفال، حيث يرتدي المشاركون جلود الأغنام أو الماعز، وأحيانًا يضيفون قرونًا أو أقنعة مخيفة لإضفاء طابع غريب واحتفالي.
![]() |
الزي التنكري للإحتفال في مهرجان بوجلود |
3.2. الجولات الاحتفالية
بعد ارتداء الجلود، يقوم المشاركون بجولات في الأزقة والشوارع، يرقصون ويغنون أهازيج محلية، ويتفاعلون مع الجمهور بطريقة فكاهية، وأحيانًا مرعبة، حيث يطاردون الأطفال والشباب بطريقة كوميدية.
3.3. الموسيقى والرقصات الشعبية
تعزف الفرق الموسيقية المحلية أنغامًا تقليدية باستخدام آلات الدف والطبل والناي، بينما يرقص الحاضرون رقصات أمازيغية مميزة، مثل "أحواش" و"الركادة".
3.4. الجانب الفكاهي والمقالب
يشتهر الاحتفال بجانب فكاهي قوي، حيث يرتدي البعض ملابس مضحكة أو غريبة، ويقومون بمواقف ساخرة أو تقليد شخصيات مشهورة بطريقة مرحة، ما يضيف جوًا من المتعة والضحك على الأجواء الاحتفالية.
4. رمزية بوجلود في الثقافة المغربية
*بوجلود هو احتفال فريد من نوعه يجمع بين الفرح والتراث والتضامن الاجتماعي، ويعكس جوانب متعددة من الثقافة المغربية الغنية. إليك بعض الجوانب الإضافية التي قد تهمك:
4.1. الاحتفال بالخير والوفرة
* يرى البعض أن بوجلود هو احتفال يرمز إلى الفرح والوفرة بعد عيد الأضحى، حيث يكون هناك لحم ووفرة غذائية، فتتحول المناسبة إلى فرصة للفرح والمشاركة الجماعية.
* هذا الاحتفال يعكس الامتنان للنعم التي أنعم الله بها على الناس، ويعبر عن الفرحة بموسم الحصاد ووفرة الخيرات.
4.2. طقس تطهيري لطرد الأرواح الشريرة
* في بعض المعتقدات الشعبية، يُقال إن ارتداء الجلود والتجول في الأزقة يهدف إلى طرد الأرواح الشريرة، وأن الاحتفال ببوجلود يساعد على جلب الحظ الجيد والتخلص من الطاقات السلبية.
* هذا الجانب من الاحتفال يعكس الاعتقاد في القوى الخفية والتأثيرات الروحية، ويعبر عن الرغبة في الحماية من الشرور وجلب الخير.
4.3. الحفاظ على الهوية الأمازيغية
* يمثل بوجلود جزءًا أساسيًا من التراث الأمازيغي، ويعكس تمسك المغاربة بثقافتهم وتقاليدهم رغم تطور الزمن.
* هذا الاحتفال يساهم في الحفاظ على الهوية الثقافية الأمازيغية ونقلها من جيل إلى جيل، ويعبر عن الاعتزاز بالتراث والتقاليد المحلية.
جوانب أخرى
* يعتبر بوجلود أيضًا فرصة للتعبير عن الإبداع الفني، حيث يتنافس المشاركون في تصميم الأزياء وصنع الأقنعة وتأليف الأغاني والرقصات.
* يساهم الاحتفال في تعزيز الروابط الاجتماعية وتقوية العلاقات بين أفراد المجتمع، حيث يجتمع الناس للاحتفال والمشاركة في الفعاليات.
* تتخلل هذه العروض حركات بهلوانية ومقالب طريفة، تهدف إلى إضحاك الناس وإدخال السرور إلى قلوبهم.
بوجلود هو احتفال حيوي ومتنوع يعكس جوانب متعددة من الثقافة المغربية الغنية، ويساهم في الحفاظ على التراث والتقاليد المحلية.
5. السياحة والاحتفال ببوجلود في العصر الحديث
5.1. عامل جذب سياحي
أصبح بوجلود مهرجانًا يجذب السياح الأجانب الذين يبحثون عن التجارب الثقافية الفريدة. فكل عام، يتوافد الزوار لاكتشاف هذا الاحتفال المثير، مما يعزز السياحة في المناطق التي تقام فيها الفعالية.
5.2. تأثير وسائل التواصل الاجتماعي
ساعدت منصات مثل إنستغرام ويوتيوب في نشر مقاطع فيديو وصور لهذا الاحتفال، مما جعله أكثر شهرة على الصعيد الوطني والدولي، حيث أصبح يُنظم في إطارات أكثر احترافية لجذب الجماهير.
5.3. مهرجانات منظمة حديثًا
في بعض المدن، بدأ تنظيم مهرجانات بوجلود بشكل رسمي، مع تخصيص فضاءات للعروض، ودمج فقرات مسرحية وأدائية لزيادة جاذبيته كمهرجان ثقافي.
6. التحديات التي تواجه بوجلود
6.1. تراجع بعض الطقوس الأصلية
بسبب الحداثة والتغيرات الاجتماعية، بدأت بعض التقاليد الأصلية في الاختفاء أو التعديل، حيث أصبح بوجلود في بعض المناطق أقل ارتباطًا بالمعتقدات القديمة وأكثر توجهًا نحو العرض السياحي.
6.2. التحديات التنظيمية والأمنية
نظرًا لطبيعته الكرنفالية، قد تحدث بعض التجاوزات والسلوكيات غير المنضبطة خلال الاحتفال، مما دفع بعض السلطات إلى تنظيم الفعالية بشكل رسمي لتجنب الفوضى.
6.3. محاولات التحديث دون المساس بالتراث
يبحث المهتمون بالتراث عن طرق لتحديث بوجلود مع الحفاظ على أصالته، من خلال الترويج له بأساليب حديثة دون طمس هويته التقليدية.
للمزيد حول ثقافة بوجلود أو بما يسمى "بلماون" اضغط هنا
خاتمة
بوجلود بين الماضي والحاضر، تقليد يستمر في التطور
يظل بوجلود أو بيلماون واحدًا من أكثر التقاليد المغربية إثارة للاهتمام، فهو يعكس هوية ثقافية متجذرة ويمنح المغاربة فرصة للاحتفال والفرح بعد عيد الأضحى. ومع التطور الحاصل، أصبح الاحتفال يُنظم بأساليب حديثة دون أن يفقد نكهته التقليدية، مما يجعله تراثًا ثقافيًا يجب الحفاظ عليه للأجيال القادمة.
إذا كنت تبحث عن تجربة ثقافية مغربية فريدة، فإن زيارة المغرب خلال هذه الفترة ستمنحك فرصة لاكتشاف هذا المهرجان الفريد عن قرب!
إرسال تعليق
هل أعجبك المقال؟
شاركنا رأيك في التعليقات! نسعد بقراءتها ونتفاعل مع كل الآراء والمقترحات.
إذا كانت لديك تجربة مماثلة أو معلومات إضافية، فلا تتردد في مشاركتها معنا.